مصادر ديبلوماسية باكستانية لـ"الصحيفة": نعمل على تحوّل استراتيجي في العلاقات العسكرية بين الرباط وإسلام آباد
في خطوة وُصفت من قبل مصادر دبلوماسية باكستانية رفيعة المستوى بـ"التحول النوعي في مسار العلاقات العسكرية بين الرباط وإسلام أباد" استقبل المغرب خلال الأيام الماضية، وفدا عسكريا باكستانيا رفيعا يضم ممثلين عن القوات البرية والبحرية والجوية، في أول زيارة من نوعها لوفد عسكري باكستاني ثلاثي الخدمات إلى المملكة.
ووفق مصادر "الصحيفة"، فإن هذه الزيارة لا تندرج في إطار بروتوكولي بل تعكس توجها استراتيجيا جديدا لدى باكستان والمغرب لإعادة رسم علاقاتهما الدفاعية على أسس أعمق وأكثر شمولا، تتجاوز منطق التعاون الظرفي إلى منطق الشراكة المستدامة.
وأفادت المصادر الدبلوماسية الباكستانية الرفيعة في حديثها لـ"الصحيفة" بأن المباحثات التي احتضنتها الرباط قادها من الجانب الباكستاني اللواء محمد عمران خان بابر، المدير العام للتعاون العسكري الخارجي، ومن الجانب المغربي اللواء محمد بريظ، المفتش العام للقوات الجوية الملكية، وشملت، بحسب المصادر نفسها، نقاشات “مكثفة وموسعة” حول آفاق التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، وتقاسم المعلومات الاستخباراتية، وتطوير التعاون في مجالات الصناعة الدفاعية والدعم اللوجستي والتكوين العسكري.
وتؤكد المصادر أن هذا المستوى من النقاش يعكس رغبة مشتركة في الانتقال من تبادل الزيارات والتنسيق المحدود إلى بناء منظومة تعاون هيكلي بين المؤسستين العسكريتين في البلدين.
وتلفت المصادر الدبلوماسية الباكستانية إلى أن الزيارة تحمل أيضا بعدا عسكريا وسياسيا في آن واحد، بالنظر إلى السياقين الإقليمي والدولي اللذين يتسمان بتصاعد التهديدات الأمنية غير التقليدية، وتنامي رهانات الاستقرار في محيط إقليمي مضطرب. وتضيف أن التركيز على "التكامل الثلاثي بين القوات البرية والبحرية والجوية" يشير إلى إدراك مشترك بأن التحديات الأمنية الحديثة تتطلب مقاربات مندمجة، وليس حلولا مجزأة، وهو ما يفتح المجال أمام تنسيق عملياتي وتبادلات تقنية أكثر تطورا في المستقبل.
وكان أبرز محطات هذه الزيارة، وفق ما أكده أكثر من مصدر دبلوماسي باكستاني، اللقاء الذي جمع الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بكل من اللواء محمد عمران خان بابر والعقيد شاه نواز قيوم، الملحق العسكري لباكستان لدى المغرب.
وتشدد المصادر على أن هذا اللقاء لم يكن بروتوكوليا، بل تميز بصراحة في الطرح ووضوح في الرؤية، حيث تم الاتفاق بشكل متبادل على "توسيع وتعميق مجالات التعاون العسكري والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة"، مع التأكيد على ضرورة الانتقال من التنسيق إلى التخطيط المشترك في عدد من المجالات.
وترى المصادر الدبلوماسية رفيعة المستوى في إسلام آباد أن هذه الزيارة تشكل في العمق "إعادة تموقع للعلاقات الباكستانية المغربية في بعدها العسكري"، خاصة في ظل سعي باكستان إلى تنويع شراكاتها الدفاعية خارج محيطها الآسيوي التقليدي، والانفتاح بشكل أكبر على شركاء في شمال إفريقيا، وعلى رأسهم المغرب، الذي يُنظر إليه، بحسب المصادر، كفاعل إقليمي "ذي موقع استراتيجي وتأثير متزايد في قضايا الأمن الإقليمي".
وفي السياق ذاته، تؤكد المصادر أن المغرب يُعد بالنسبة لباكستان بوابة مهمة نحو التعاون جنوب–جنوب في المجال العسكري والأمني، كما يشكل شريكا موثوقا في قضايا حفظ السلم والاستقرار، بالنظر إلى التجربة المتراكمة للقوات المسلحة الملكية في عمليات حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة، وهي تجربة تحظى، بحسب المصادر، بتقدير خاص داخل الأوساط العسكرية الباكستانية.
وبحسب المعطيات التي رشحت عن هذه الزيارة، من المرتقب أن تُترجم هذه الدينامية الجديدة إلى تبادل منتظم للزيارات رفيعة المستوى، وإطلاق برامج تكوين وتدريب مشترك، فضلا عن إمكانيات تطوير شراكات في مجالات البحث والتطوير العسكري. وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن ما تحقق خلال هذه الزيارة ليس سوى “بداية لمسار طويل”، مرجحة أن تشهد السنوات المقبلة انتقال العلاقات من مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الفعلية.
وفي المحصلة، ترى مصادر دبلوماسية باكستانية رفيعة أن الزيارة تشكل علامة فارقة في الدبلوماسية العسكرية للبلدين، وتعكس تقاطعا في الرؤى حول قضايا الأمن والاستقرار الإقليميين، وتفتح أفقا جديدا لبناء تحالف دفاعي مرن يقوم على تبادل الخبرات والثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، في زمن تتزايد فيه تعقيدات المشهد الجيوسياسي وتتشابك فيه التحديات الأمنية العابرة للحدود.




